مصيبة سيول جدة ( لما طغى الماء )
الشيخ محمد صالح المنجد
17/12/1430هـ
عناصر الخطبة:
1. المصائب والإيمان بالقدر.
2. ضعف إمكانيات البشر أمام قوة الله.
3. فوائد من المصيبة.
4. المواقف تبين معادن الرجال.
5. الإهمال والفساد الإداري.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله..
الحمد لله العليم الحكيم، وصلى الله على نبيه الصابر الرحيم، الحمد لله الذي يبتلي كما يشاء، ويقضي ما يشاء ويحكم ما يشاء، لا معقب لحكمه ولا راد لأمره، وهو القوي العزيز، سبحانه وتعالى الواحد القهار، والملك الجبار، أتى أمره فداهم السيل الناس، وفي سويعاتٍ تحول ذلك الجنوب الشرقي من مكانٍ يشكو قلة المياه وشح الأمطار إلى طوفان جارفٍ وسيلٍ جرار، يكتسح ما أمامه، ويبتلع في جوفه ما يأتي عليه، حتى أضحى كارثةً مؤلمة، ومأساهً حقيقة ستبقى ماثلةً في أذهان الكثيرين، فاجعة أربعاء جدة التي أصابت ثلث المدينة، وأنتجت أضراراً بالمليارات، ولا تزال المخاوف مما يمكن أن تحمله الأيام القادمة من أمر السيول وفيضان مياه الصرف تقلق النفوس وتقض المضاجع، نسأل الله السلامة واللطف والعافية.
المصائب والإيمان بالقدر
وهكذا يا عباد الله فُقدت عائلات بأكملها، ذهب رجال ونساء وأطفال، و جثث ملقاة على الأرصفة، وأخرى في السيارات، وهكذا تحت الركام مدفونة، وأيضاً في الحفر وفي الطين. تُستخرج ولا زالت هذه الوفيات وهؤلاء الناس الذين فقد بعضهم كل شيء، بيته ومركبه وأهله وماله وحتى إثبات شخصيته وبطاقة الصراف، لم يعد يملك من حطام الدنيا شيئا، ذهبت موارد أرزاق الناس من ورش ومصانع، ومستودعاتٍ ومطاعم، وأضحى الكثير لا مأوى له وبعضهم يطوف بسيارته هو وأطفاله لا يجد مكانا أياما.ً هكذا خرج بعض الناس من السيل لا يملكون شيئاً حتى الملابس، لا ماء ولا كهرباء، انهيار وبكاء، بيوت تصدعت وأخرى على وشك الانهيار، أرامل وأطفال، يقيمون في العراء، والقمامة أرتال كالجبال، ومستنقعات في وسط الأحياء، تحوم حولها الحشرات، ومساجد مقفلة، وهكذا صورت هذه الكارثة العظيمة التي هي بحقٍ يؤرخ بها، فإنه لم يأت مثلها إلا ما كان من أربعين سنة تقريباً، لما جاء المطر في جدة ومكة وطاف الناس حول البيت سباحةً، ومن تأمل التاريخ وجد من هذه السيول التي يقدرها الله سبحانه وتعالى ويكتبها كما يشاء سبحانه، وهو الذي يملك الخلق ويتصرف فيهم كيف يشاء، تعطلت أنظمة، وأصبحت هذه الآليات وهذه البرمجيات لا تغنى شيئا،
لِكُلِّ شَيءٍ إذا ما تمَّ نُقصَانُ
فلا يغرُّ بطِيب العَيشِ إنسانُ
وأيضاً فإنه ينبغي للمؤمن أن يتأمل في الحكمة البالغة، فكل شيء بقدر الله، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وليس شيء يحول دون أمره تعالى، يطمئن المؤمن الموحّد، أن أمر الله تعالى سابق، وأن مشيئته نافذه، {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (التوبة:51) .
{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} (الحديد:22) .
فالمؤمن يعلم أن هذا كله مكتوب عند الله تعالى، وأن لله الحكمة البالغة، وأنه عز وجل يأتي بالآيات تخويفاً لعباده : {فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ}(الأنعام: من الآية42).
ويوقن الذي ينظر لهذه الأحداث، بأن كل شيء مسخر بأمر الله عز وجل، فإذا قال لها : أمطري أمطرت، وإذا قال لها سيلي سالت، فالتقى الماء على أمرٍ قد قدر، والضر والنفع بيده سبحانه وتعالى، وجنوده كثر، فهذه سيوله، وتلك زلازله، هذه براكينه وهذه مما يأمر به عز وجل كن فيكون، والناس ينظرون إلى الظاهر فيصابون بالدهشة وهم يرون هذا السيل العرمرم بدواماته الرهيبة وربما يغيب عنهم ما كان وراء ذلك من الحكم،
السيل يقطع ما يلقاه من شجر
بين الجبال ومنه الأرض تنفطر
حتى يوافي عباب البحر تنظره
قد اضمحل فلا يبقى له أثر
.
وهكذا تدفق الماء من كل مكان، لا جدران تصده، يدمر ما أتى عليه من أخضر ويابس، ويبتلع ما يبتلع، يقول أحدهم : عددت الجثث التي تطفو حولي فوجدتها ثمانٍ وثلاثين، {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً}(النساء: من الآية28).
ضعف إمكانيات البشر أمام قوة الله
ما حدث يدل دلالةً قاطعة على افتقاره الذاتي إلى الله، وأنه لا حول له ولا قوة إلا به، ومن رأى ضعف الناس أثناء الكارثة وبعدها، أمام هذا السيل الداهم ومخلفاته، علم قبح الغرور والتكبر، فلا بد أن يعرف الإنسان حقيقته، ومقداره وأنه ضعيف وأنه مفتقر إلى الله، فينطرح بين يديه طالباً معونته، طالباً تسديده، راغباً في توفيقه، لا يستكبر عن عبادته ولا يتولى عن امره، لأن الله قوي عزيز، وأما الإنسان فإنه ضعيف، لقد رأينا بأم أعيننا، كيف أن الإنسان تكون منيته، في مكانٍ لا يتخيله، ولم يكن يدور بخلده أصلاً أن يموت في هذا المكان، أناس قدموا إلى جدة من مدن ودول أخرى قبل الكارثة بأيامٍ أو وقت يسير ليكون موعدهم مع الموت في هذا السيل، وليكون مدفنهم في وحله، {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}(لقمان: من الآية34).
وآخرون خرجوا من بيوتهم بأسباب متعددة فأنجاهم الله عز وجل، وبعضهم أصر إصراراً غريباً تلك الليلة أن يبيت في مكان آخر فنجى، ولما خاف الناس في الحج من انفلونزا الخنازير، خرج بعضهم إلى الحج فكان خروجهم إلى الحج سبباً في نجاتهم، إن المصاب عظيم يا عباد الهب، فهذه العائلات التي فقدت بأكملها، وهذه الجثث التي وجدت عالقةً بالأعمدة والأشجار، وآخرى لا تزال تستخرج من الحفر والمستنقعات، ومن تحت الركام وحطام السيارات، هذا أبٌ يحضن طفله وهما ميتان، ورجل يسير مع أربع نسوة فيأتي السيل ليخطف الأولى أمام عينيه والثانية والثالث والرابعة وهو لا يملك لهن شيئا، ثم يخطفه السيل هو ويجتاحه أيضا، وهذا يبحث عن جثة أمه ليجدها على بعد مسافةٍ طويلة حبسها عمود، وزوج مكلوم يبحث طول الوقت عن زوجته المفقودة، هؤلاء أقارب عند الحفرة ينتظرون، لعله يستخرج جثث أقاربهم منها على بعد كيلو مترات طويلة كانت فرق الإنقاذ تستخرج الجثث، هذه امرأة علا نحيبها تقول: رأيت جارتي وأطفالها الخمسة يموتون أمام عيني، ورب أسرة يقول : أنا وأولادي نطوف نبحث عن أمهم، تضرر الناس تضرراً بالغاً..
فجائع الدنيا أنواعٌ منوعةٌ
وللزمان مسراتٌ وأحزانُ
وَهَذِهِ الدَّارُ لا تبقِي على أحدٍ
ولا يدُومُ عَلَى حَالٍ لَهَا شانُ
وهكذا يعلم الإنسان حقيقة الدنيا، وأنها زائلة وأن الباقي هو الآخرة، ما الذي يثبّت الناس في هذه المحنة، إيمانهم بالله، ما الذي يعوضهم من هذا النقص الخطير الذي أصابهم، إيمانهم بقضاء الله وقدره، ما الذي يثبّتهم الرضا بالقضاء، ما الذي يكون في نفوسهم إذا أرادوا العوض الحقيقي انتظار ما عند الله في الدار الآخرة، وعندما يعلم الإنسان أن كل ما حدث مكتوب، قال الله : {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} (الحديد: من الآية23).
فلا عجب أن تجد عدد من المسلمين ولله الحمد نفوسهم طيبة رغم البلاء الذي أصابهم، ويتفكر الإنسان في هذا الماء، بعضه رحمة وبعضه عذاب، الماء ألين شيء وأخطر شيء، الماء منه كل شيءٍ حي، وكذلك هو سبب للموت والقتل والغرق.
يثبت الله به المؤمنين كما ثبت الصحابة {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ}(الأنفال: من الآية11).
ويبعثه على آخرين ليكون عذاباً {وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً} (الفرقان:37) .
كل شيءٍٍ نزل من السماء، وكل سيلٍ يدوّي على الأرض بأمر الهأ تعالى، {إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} (الحاقة:11).
امتن الله على من بقي من البشرية، كل شيءٍ ينزل من هذه الأمطار، فعند الله خزائنه، ولذلك لما اغرق قوم نوح قال : {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ*وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} (القمر:11-12) .
أغرق الله به فرعون.
ويكون رحمةً من الله للموحدين، فيكون الغريق شهيد، وهذا من مزايا هذه الأمة .
يا عباد الله لقد كانت تذكرةً عظيمة، أن يأتي الموت بغتةً، في غمرة التجهز للعيد وفرحته، وبينما الناس منهمكين بالاستعدادات والأضاحي والملابس، يدهمهم ومن غير سابق إنذار، سيل يحصد الأرواح، يذكر بيوم الدين، {بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ}(الانبياء:40) .
ما أصعب لحظات الوداع، خصوصاً حينما يرى المرء الموت وهو يحاصره، شاب منطلق بسيارته، وفجأهً تدهمه السيول، فيوقن أنه غارق لا محاله، فيصعد على سطح السيارة ويتصل بأهله وأقاربه ليودعهم، ثم يتصل بأصدقائه ومعارفه ليتحلل منهم ويطلب السماح ثم ينقطع الاتصال فجأةً، ماذا يكون حال ذلك الزوج وهو في العمل، تتصل به زوجته تستغيث بأن منسوب الماء يرتفع في الحجرة، إلى القدمين إلى الركبتين، لقد وصل إلى السرير ثم إلى الصدر، ثم إلى العنق ثم ينقطع الارسال وهو على الجانب الآخر من الخط يرقب في دهشةٍ، ماذا يفعل وهو في حيرة، تلك الزوجة التي ذهبت إلى الله عز وجل.
عباد الله لكل أجلٍ كتاب، رجل ودع زوجته وأطفاله وذهب إلى عمله ليعود بعد ساعتين ليجد كل شيءٍ أثراً بعد عين، أصبح وحيداً بلا زوجة، بلا أولاد، جرفتهم السيول الداهمة، وتعلمنا أنه لا يغني حذر من قدر، فالموت يدرك البشر لا محالة، أين تهربون وأين تذهبون، مهما هرب الإنسان فإن له من الله طالبا، {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (الجمعة: .
أصرت قبلها بليلةٍ على البقاء عند عمها تلك الفتاة في زيارةٍ عائلية لكن لتبقى بعد ذلك نظرات الحزن ساهمةٍ وهي تفكر في أسرتها التي ماتت كلها.
تذهب بعض أذهان الناس في مثل هذه الأحوال العصيبة مذاهب عجيبة، غريبة في طرائق التفكير واتخاذ القرار، وهذا محل دراسةٍ وتأمل للإنسان الحصيف، رب أسرةٍ يربط أفراد أسرته بحبلٍ واحد، ويقول : أما أن ننجوا جميعاً أو نهلك جميعاً.
عباد الله، الشهادة فضل من الله يؤتيه من يشاء، يختار الله من عباده من يختار، ولا سبيل لنيل هذه الدرجة إلا بهذه الأسباب المفضية إليها، وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم : ((وَالْغَرِيقُ شَهِيدٌ )) وفي لفظٍ : ((وَمَنْ غَرِقَ فَهُوَ شَهِيدٌ) ) رواه مسلم (2829) .
وهذا عوض عظيم وتسلية، وهذا مما يعين على مواجهة الأحزان.
عباد لله، إذا وقع القدر عمي البصر، ومع أن لهذه الكوارث الكونية أسباب طبيعية، وأحياناً يكون بمقدور البشر التنبأ بها قبل وقوعها، إلا أن هذه الكارثة قد اثبتت قصور البشر سواءً في التحليل وتوقع الأزمات، أو في الاستعدادات والاحتياطات، كشفت عيوباً وإهمالات، أو في التصدي لها ومحاولات النجاة، إنا لله وإنا إليه راجعون، بهذه الكلمات يقابل المؤمن المصائب والكوارث، أبلغ العلاج وأنفعه للعبد في عاجله وآجله أن يسلّم ويستسلم، ماذا ستفعل ؟ هل تستطيع أن تعيد أرواحاً قد قبضت ؟ هل تستطيع أن تستعيد أجساداً قد بليت ؟، ولذلك إذا استعاد المعير متاعه من المستعير فلا لوم عليه ولا اعتراض، والله تعالى يملك الاجساد والأرواح، ويملك النفوس وهو خالقها، فإذا شاء أبقاها وإذا شاء أخذها، ولا اعتراض على حكمه سبحانه.
ومن أعظم العزاء أن يقال لمن أصيب المصيبة : ثواب الله على صبرك، خير من بقاءهم عندك، وما أعد الله لهم من رحمه خيراً لهم مما عندك، وهكذا تثبت قلوب المؤمنين، { لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ }(هود: من الآية43).
إذا كان الماء في هذه الكارثة لم يتعدى ثلاثة أمتار أو أربعة في كثيرٍ من الأماكن التي طرقها، ليغرق دور كامل من الأدوار، فمن في القبو و الدور الأرضي، من بقي غرق، ومن صعد إلى الدور الثاني أو إلى السطح ربما ينجو، لكن نتذكر يوم أن اغرق الله الأرض بكفر قوم نوح علا الماء رؤوس الجبال، فقال الولد المغرور : {سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ}(هود: من الآية43) . ولكن {لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ}(هود: من الآية43).
مئات السيارات التي كان يجرفها السيل تتقلب فيه كقطع الفلين وركابها يرفعون أيديهم ويصيحون ويطلبون الغوث والنجدة، ولكن كل مشغول بنفسه، فلم يستطيع ناس أن ينقذوا أحداً لأنهم مشغولون بأنفسهم، تتذكر يوم الدين نفسي نفسي، { لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}(غافر: من الآية16).
فوائد من المصيبة
إحياء العبودية في نفوسنا، ونعرف لماذا كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا رأى غيماً في السماء قلق ، قالوا : هذا مطر قال : ((وما يؤمنني أن يكون فيه عذاب)) .
{وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً}(الاسراء: من الآية59).
الذي بقي عليه أن يستفيد من الحدث، ليشكر ربه، إذا كان أناس قد ذهب أهلهم فعندك أهلك، وإذا كان آخرون قد ذهب أولادهم فعندك أولادك، وإذا كان آخرون قد ذهبت مساكنهم فعندك بيتك، وإذا كان آخرون قد ذهبت أموالهم فعندك مالك يا عبد الله اشكر النعمة.
المؤمن يتألم لألم اخوانه وهذا من علاقة الإيمان والأخوة بين المسلمين، ينبغي لمن نظر إلى هذه المشاهد على أرض الواقع ومن جال في تلك الأحياء المنكوبة، ومن نظر إلى الصور في الشاشات ومقاطع الفيديو، أن يتحرك قلبه تجاه المصابين والمنكوبين، وأن تدمع عينه ويلهج لسانه بالدعوة بالرحمة لمن مات، والتثبيت والعوض لمن ابتلي، ويسعى لإعانة من يحتاج، ويسأل الله لأخوانه السلامة والعافية، إنه ابتلاء للمؤمنين، اتخذ الله منهم شهداء بالغرق، وكفر الله سيئات بالمصائب، ورفع الله درجات بالكارثة، وزاد الله حسنات بما أخذ، إذا صبروا.
وكانت عقوبةً لأهل المعاصي من الجهات الأخرى، وإنذاراً من الله، وكانت تمحيصاً أيضاً للناظرين والمتكلمين، من الذي يعترض ومن الذي يسلّم، من الذي يفسر الأمور بغير ما جاءت به الشرع، فينسبها للطبيعة، من الذي خلق الطبيعة؟! .
الابتلاءات سنة ربانية، {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}(الانبياء: من الآية35).
المؤمن ينظر إلى القضية من زاوية : {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}(البقرة:155) .
المؤمن ينظر إلى القضية من زاوية : {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} (البقرة:214).
لا ينزل بلاء إلا بذنب ولا يكشف إلا بتوبة، قال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله: " وإن من علامات قسوة القلوب وطمسها والعياذ بالله، أن يسمع الناس قوارع الأحداث، وزواجر العبر والعظات التي تخشع لها الجبال لو عقلت، ثم يستمرون على طغيانهم ومعاصيهم مغترين بإمهال الله لهم، عاكفين على اتباع شهواتهم، غير عابئين بوعيد، ولا منصاعين لتهديد". فتاوى ابن باز (9/160).
{قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ}(الأنعام: من الآية65).
وجاء الماء من أعلى وجاء الماء من أسفل و ارتفع المنسوب.
عباد الله نسأل الله حسن الخاتمة، ناس قبضت أرواحهم في المساجد بالسيل جاء وقت صلاة الظهر، ناس قبضت ارواحهم وهم ذاهبون إلى المسجد عليهم رحمة الله، ناس قبضت ارواحهم وهم صائمون في العشر الأوائل من ذي الحجة يتقربون إلى الله بالأعمال الصالحة، الموت على عبادة وبعد أداء فريضة نعمة عظيمة، ناس قبضت أرواحهم وهم ينقذون الأرواح المعصومة من الهلكة، الناس معادن، الأحداث كشفت عن المعادن، كمعادن الذهب والفضة، هذا معدن نفيس هذا معدن خسيس، وهكذا يتفاوت الناس بالشرف وكرم النفس.
نسأل الله عز وجل أن يحيا قلوبنا بطاعته، وأن يثبتها بذكره، وأن يجعلها عامرةً بالرضا بالقضاء، والتسليم لأمره، اللهم اجعلنا لشرعك منقادين، وبسنة نبينا عاملين، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
خطبة الثانية :
الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك وحبيبك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المواقف تبين معادن الرجال
عباد الله، الناس ما داموا في عافية مستورون، فإذا نزل بهم البلاء انكشفت الحقائق، ظهر في هذه الكارثة المؤمنون الذين يهبون لنجدة إخوانهم ومساعدتهم يمتثلون قول النبي عليه الصلاة والسلام : ((مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى))..
ظهرت قصص الشجاعة والبطولة والتضحية، أولئك الشباب الصالحين الذين هبوا من عامة الناس ومن غيرهم ينقذون، يمدون يد العون، يخرجون، شاب لم يكن يعرف السباحة لكن لما رأى رجل يغرق وزوجته وطفله لم يتوانى عن النزول، وقفز إلى الوادي وانقذ الطفل ثم المرأة ثم الرجل، وهؤلاء الذين شكلوا فرقاً للإنقاذ، يزيلون ويخرجون الناس العالقين من السيارات، ظهر أثر الشهامة وأهل النجدة والمروءة بجلاء، يقول أحدهم : تلقيت اتصالاً أن والدي وبعض المسنين أربعون شخصاً في المسجد غمرته المياه، فتوجهنا سباحةً إلى المسجد ومعنا عشرة من أهل الحي، وأنقذنا المسنين، واستجمع عشرات المتطوعين كل قواتهم ليلاً ونهاراً، لإسهام في واجب البحث عن المفقودين، ومساعدة رجل الدفاع المدني بلا كلل ولا تعب، وسط الحطام والمياة الراكدة، وهب الكرماء وأصحاب العطاء لاستقبال اخوانهم المنكوبين ففتحوا بيوتهم وبسطوا موائدهم وقدموا معوناتهم، هذا كله قد حدث والحمد لله، والله اثنى على الأنصار لأنهم آووا ونصروا، وقد وجِد والحمد لله من الأقارب والأباعد من فتح بيته وما زاد عن عقاره، لأن المؤمنين إخوة، والمواساة واجبة، والبذل الآن إذا لم يكن فمتى يكون، وأنت ترى المحتاجين من بين يديك ومن خلفك، آوى النبي عليه الصلاة والسلام وآخى بين المهاجرين والأنصار، من أحق الناس بالإحسان ؟ الآن وقت الإيواء والاستضافة، وقت البذل، من كان معه فضل ظهرٍ فليعد به على من لا ظهر له، هذا أوان الصدقة والجود والإحسان، بل حتى الزكاة يجوز تعجيلها من أجل هذه الكارثة، الآن هو وقت الإعطاء، الآن هو وقت الكرم، مصارع السوء من الذي يقي منها، الصدقات، تفريج الكربات، يثبت الله أقدام أناس يوم القيامة وينفس عنهم كربات يوم الدين بما بذلوا، {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} ( سورة الإنسان ، لماذا ؟ لوجه الله، {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ } (11) سورة الإنسان .
وهكذا فإن المواساة شأن المؤمنين..
هبوا نواسيهم بالمال ننعشهم يا أنعش الله أرباب المواساة
من يسّر ونفّس وفرّج من أعطى وبذل، يمرّض يسعف، ينقل، هب بعض الناس بسياراتهم ينقلون جثث إلى المستشفى الأول يقولون ما عندنا كهرباء نضعها في أي ثلاجات، إلى المستشفى الثاني ، أطباء بعيادات، ناس تستخرج الجثث لأن حق المسلم على المسلم أن يكفنه بعدما يغسله، ويصلي عليه ثم يدفنه، هذا واجب .
يا عباد الله، وفي المقابل توجد صور استغلال البشع، الذين استغلوا الحدث ورأوه فرصة لتكسب السريع، وتلك النفوس المريضة التي قامت بالسرقات والاستيلاء على الممتلكات واستغلال الوضع للنهب، بل حتى لم تتوانى عن سرقة أموال الموتى داخل سياراتهم، وسرقة بيوت المصابين وهم لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم .
ليس هذا وقت رفع أسعار السلع والخدمات، ليس هذا آوان أن ترفع مغاسل السيارات أسعارها وسيارات الشفط وسيارات السحب والشقق المفروشة وشركات النظافة، بل هذا آوان التقديم بالمجان لو استطعت، أو بأجرة المثل على الأقل، أما أن يقال لمن يستغيث بك من الموت: لا أنقذك إلا بخمس مئة ليسحبه أمتاراً فهذا عجب العجاب، أنه ليؤلم والله أن تجد بعض الناس مشغولين بتصوير المنكوبين بكاميرات الجوال وأولئك يستغيثون وهؤلاء يصورون منظراً كأنه يصور الشمس حين الغروب،طفلة تبكي بأعلى صوتها وتنادى أمها وأباها وأمواج السيل تلاطمها يمنى ويسرة وهي تحاول الإمساك بجثة تمر بجانبها أو تتشبث بأي أمل، هل يجوز أن يقف هنالك من لا يحرك ساكناً حتى يختفي صوت الطفلة ويتوارى،
يارب أم وطفل حيل بينهما
كما تفرق أرواح وأبدان
الإهمال والفساد الإداري
عباد الله، نحن نعلم يقيناً أن ما حدث بقدرٍ من الله ولكن ذلك لا ينفي وجود الإهمال البشري، لا ينفي إهمال بعض البشر وتفريط البعض والجشع والإساءة، وتحصيل مخططات في أماكن لا يصح في علم تخطيط المدن أن يكون فيها مخططات، مجاري سيل، هل نحن نسيء الظن بالله ونقول : لا تمطر في هذه البلد، هذه البلد ما فيها مطر، اسأل كبار السن عن السيول التي أصابت هذه الأمكنة، لكن احياناً شباب مغتر يقول : ما فيه مطر ولا ينزل مطر، فها هو قد جاء، فماذا ستفعل.
استخدام الرشاوى والمحسوبيات والمعارف في انتهاك حقوق الناس وسوء التخطيط والتأخر في إنجاز مشاريع تصريف المياه والغش في البناء والمساكن وعدم تأمينها وتحصينها، هذا إهمال بشري، والتسليم للقضاء والقدر لا يعني السكوت عن هذه الأشياء وترك معاقبة المسيئين، لأن ذلك سيتكرر لو صار السكوت.
عباد الله، ينزل الله المعونة على قدر المؤونة، لما حاصر السيل منزل احدهم شمر عن ثوبه، يقول دخلت البيت وحملت اثنين من أولادي على ظهري وإلى السطح ثم نزلت لحمل اثنين آخرين وإلى السطح وهكذا كأن بداخلي رجل قوي لا أعرف كيف فعلت هذا .
وخيارات صعبة، الأم أو الزوجة، الولد الأصغر أو الأكبر، بهذا القريب تبدأ أو بهذا، وهنالك قد يفقد الإنسان أدنى معلومة فقهية توجد عنده، وهناك ثوابت في الشرع، الخيار الصعب عندما تخيّر في الحادث والظرف الموجود أن تنقذ هذا أو هذا، والظرف لا يتسع لإنقاذهما جميعاً.
في المحن والكوارث تمحيص، تنبيه من الغفلة، في المحن والكوارث هذه يا عباد الله فيها خير، على الشر العظيم الذي فيها لكن فيها خير كثير، قال الحسن البصري رحمه الله : "لا تكرهوا البلايا الواقعة ، والنقمات الحادثة ، فَلَرُبَّ أمرٍ تكرهه فيه نجاتك ، ولَرُبَّ أمرٍ تؤثره فيه عطبك ".
إن في العلل لنعَماً لا ينبغي للعاقل أن يجهلها ، في تمحيص الذنوب، وثواب الصبر، والاستيقاظ من الغفلة، والتداعي للتوبة، وأجر الصدقة، والتسبب في الإنقاذ، تخيل نفسك داخل الحدث، ماذا كنت ستفعل يا عبد الله، احتساب الأجر في إنقاذ الناس، الأجر العظيم، قال الله في أجر من ينقذ معصوماً من هلكه : { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً }(المائدة: من الآية32).
كأنما أحيا الناس جميعاً هذا أجره، ولذلك تكبر وأنت ترى حتى بعض الأعاجم، ذلك الرجل الباكستاني الذي أنقذ أربعة عشر نفساً، واحدٍ تلو الآخر، حتى أصيب بعمودٍ في ساقه فأدركه الغرق فمات رحمه الله تعالى بعدما انقذ هذا العدد من الناس، ((إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَلَهُ)).
قِيلَ : وَمَا عَسَلُهُ ؟
قَالَ : ((يَفْتَحُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ عَمَلًا صَالِحًا قَبْلَ مَوْتِهِ ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ)) أحمد (17330) صححه الألباني.
بعض العمال الذين كانوا مصدراً للسخرية والتندر، كانوا سبباً في الإنقاذ، كما أن بعضهم في المقابل كانوا ينهبون الممتلكات، ويأخذون أموال الناس، وهذا حرام حرام حرام، تباع ثلاجة بثلاثين ريال ؟! هذه أمانة، ممتلكات الناس، لذلك هذه الكارثة كشفت المعادن، معادن الناس، من هم أهل النجدة والمروءة والكرم والعطاء، الذين يمدون يد العون ولهم الصلاح في المجتمع، ومن الذين بالعكس .
الكارثة كشفت قلة أمانة مقاولين، وضعف خبرة مهندسين، ورخص مزيفة للسلامة، وعورات الأنظمة البشرية وضعف الإمكانات المادية، وأن قوة البشر مهما بلغت لا تقف أمام قوة الله عز وجل، ولذلك لا بد الآن في غمرة الحدث من العمل الدؤوب، أصحاب الخبرة يقدمون ما لديهم، اصحاب التخصصات العلمية، أصحاب التجارب الناجحة، طلبة العلم الخطباء العلماء طلبة العلم نشر الأحكام الشرعية المتعلقة بالكوارث، أحكام اللقطة أحكام المفقود أحكام الغريق، أحكام الضمان أحكام الإجارة، الاستفتاءات الآن في النوازل أشياء ستأتي تباعاً، يجب إنقاذ المسلم المعصوم وجوباً، ثم بعد ذلك تحل أشياء لا تحل في غير هذا الوقت، كإمساك المرأة الأجنبية، والغريق إذا أخرج يغسل إن أمكن تغسيله ويكفن ويصلي عليه كأي ميت، والمفقود له أحكام في الشريعة، إذا انقطع خبره ولم تعلم حياته فيتربص الوقت الذي يغلب على الظن أنه فيه قد هلك، ثم بعد ذلك تعتد الزوجة ويقسم الميراث، وتكون هنالك أحكام كل مفقودات سيل لها حكم اللقطة، التي لها قيمة وثمن لا بد من تعريفها ولا يجوز تملكها ولا أخذها، ولو سحبها السيل وأخذها عشرين كيلو متراً، لا بد أن تجعل هناك مستودعات لحفظ أمانات الناس حتى يرجعوا إليها، فمن أتى ببينة على شيءٍ أخذه، وهكذا حكم اللقطة حكم المفقودات، طين الشوارع الأصل فيه الطهارة ما لم تتبين نجاسة بعلامة من العلامات، الوحل سبب للجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، يؤلمك في حي من الأحياء أن كل المساجد فيه مقفلة، الآن وقت التنفيس أصحاب المعاناة، ربما لو جئتهم يقولون لك : هل أنت كغيرك ممن يريد أن يتصور معنا ، هل تحس بما نحن فيه ؟ هل تحسون بآلامنا ومعاناتنا، وهكذا لا يجوز الكذب لأخذ التعويضات إذا لم يكن قد حصل له ذلك فعلاً، ما هي المهام والواجبات، الإعانة في البحث عن مفقودين واجب شرعي، استخراج الجثث لتغسيلها وتكفينها والصلاة عليه ودفنها، إطعام المحتاجين، المواساة والتعزية والتصبير، حماية الممتلكات الحراسة مجاناً، ورجال الأمن قد ضربوا أطواقاً لأجل هذه القضية وهي حماية ما بقي من ممتلكات الناس، هذا شيء واجب، نقل المصابين، كسوة المحتاجين، تهنئة الناجين، تعريف الملتقطات، معالجة القلق تسكين الفزع الدعوة للتوبة والإستغفار، الأذكار والأدعية كدعاء المصيبة، دعاء الاستصحاء ما هو ؟ إذا زاد المطر حتى أضر يقول الناس : " اللهم حوالينا ولا علينا".
من الواجبات الشرعية رعاية الأولاد الذين فقدوا أهاليهم، تسليم الاثباتات والأوراق الرسمية للجهات المختصة ليأتي أصحابها ليأخذوها صكوك أراضي، إثباتات مهمة جداً.
تقديم الأهم : فالعيال قبل المال مثلاً، حقوق الجيران اتخاذ الاحتياطات، تعلم الإسعافات الأولية، وهكذا أهل الحي ومراكز الأحياء تتعاون، الآن وقت تربية الشباب على التقديم، غرس معاني الإعانة والإغاثة، الاستفادة من الحدث للتخطيط المستقبلي، قضية المعالجة لهذه الأوبئة التي ستظهر، قدم محسنون شققاً مجانية، وسيارات دفع رباعي لانتشال الناس من الوحل، وأطعمة وذبائح، لأن هناك ناس فقدوا كل شيء، واحد يقول : كل مالي في الحياة 365 رأس غنم في سابع ذي الحجة، أردت أن أذهب بها إلى الحرم إلى منى لأجل البيع والاستفادة من الأضاحي أتى السيل ما تركها، ليس لي شاة واحدة اليوم، ثم هذه الأضاحي منتفخة موجودة في الحي ورائحتها تزكم الأنوف، تجار قدموا ملابس وأدوية يشكرون عليها، شخص سخّر نفسه لجمع المصاحف والكتب الشرعية من أنقاض المساجد والبيوت صيانة لكلام الله تعالى، المجتمع كله اليوم أيها الأخوة عليه دور، أصحاب المعدات الرافعات آلات السحب المهندسون المقاولون التفاعل الالكتروني، كلنا يجب أن نعمل.
نسأل الله عز وجل أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين، اللهم إنا نسألك الأمن والإيمان، وطاعتك يا رحمان، اللهم اغفر لموتى المسلمين، اللهم ارحمهم اللهم عافهم واعف عنهم، اللهم تقبلهم شهداء عندك يا أرحم الراحمين، ارفع درجاتهم وأعل منزلتهم واجعلهم في عليين، اللهم اجبر مصاب المكلومين واشفي المرضى والجرحى والمصابين، اللهم سكن فزع الخائفين،اللهم عوض من ذهب له مال أو تلف له شيء يا رب العالمين، اللهم العوض العوض من عندك يا كريم يا أكرم الأكرمين، احفظنا واحفظ بلادنا يا أرحم الراحمين، أنت خير حافظاً وانت أرحم الراحمين، لا تهلكنا بعذابك، نجنا برحمتك، اللهم ازرقنا الجنة واعذنا من النار، واغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب، آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين .
الشيخ محمد صالح المنجد
17/12/1430هـ
عناصر الخطبة:
1. المصائب والإيمان بالقدر.
2. ضعف إمكانيات البشر أمام قوة الله.
3. فوائد من المصيبة.
4. المواقف تبين معادن الرجال.
5. الإهمال والفساد الإداري.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله..
الحمد لله العليم الحكيم، وصلى الله على نبيه الصابر الرحيم، الحمد لله الذي يبتلي كما يشاء، ويقضي ما يشاء ويحكم ما يشاء، لا معقب لحكمه ولا راد لأمره، وهو القوي العزيز، سبحانه وتعالى الواحد القهار، والملك الجبار، أتى أمره فداهم السيل الناس، وفي سويعاتٍ تحول ذلك الجنوب الشرقي من مكانٍ يشكو قلة المياه وشح الأمطار إلى طوفان جارفٍ وسيلٍ جرار، يكتسح ما أمامه، ويبتلع في جوفه ما يأتي عليه، حتى أضحى كارثةً مؤلمة، ومأساهً حقيقة ستبقى ماثلةً في أذهان الكثيرين، فاجعة أربعاء جدة التي أصابت ثلث المدينة، وأنتجت أضراراً بالمليارات، ولا تزال المخاوف مما يمكن أن تحمله الأيام القادمة من أمر السيول وفيضان مياه الصرف تقلق النفوس وتقض المضاجع، نسأل الله السلامة واللطف والعافية.
المصائب والإيمان بالقدر
وهكذا يا عباد الله فُقدت عائلات بأكملها، ذهب رجال ونساء وأطفال، و جثث ملقاة على الأرصفة، وأخرى في السيارات، وهكذا تحت الركام مدفونة، وأيضاً في الحفر وفي الطين. تُستخرج ولا زالت هذه الوفيات وهؤلاء الناس الذين فقد بعضهم كل شيء، بيته ومركبه وأهله وماله وحتى إثبات شخصيته وبطاقة الصراف، لم يعد يملك من حطام الدنيا شيئا، ذهبت موارد أرزاق الناس من ورش ومصانع، ومستودعاتٍ ومطاعم، وأضحى الكثير لا مأوى له وبعضهم يطوف بسيارته هو وأطفاله لا يجد مكانا أياما.ً هكذا خرج بعض الناس من السيل لا يملكون شيئاً حتى الملابس، لا ماء ولا كهرباء، انهيار وبكاء، بيوت تصدعت وأخرى على وشك الانهيار، أرامل وأطفال، يقيمون في العراء، والقمامة أرتال كالجبال، ومستنقعات في وسط الأحياء، تحوم حولها الحشرات، ومساجد مقفلة، وهكذا صورت هذه الكارثة العظيمة التي هي بحقٍ يؤرخ بها، فإنه لم يأت مثلها إلا ما كان من أربعين سنة تقريباً، لما جاء المطر في جدة ومكة وطاف الناس حول البيت سباحةً، ومن تأمل التاريخ وجد من هذه السيول التي يقدرها الله سبحانه وتعالى ويكتبها كما يشاء سبحانه، وهو الذي يملك الخلق ويتصرف فيهم كيف يشاء، تعطلت أنظمة، وأصبحت هذه الآليات وهذه البرمجيات لا تغنى شيئا،
لِكُلِّ شَيءٍ إذا ما تمَّ نُقصَانُ
فلا يغرُّ بطِيب العَيشِ إنسانُ
وأيضاً فإنه ينبغي للمؤمن أن يتأمل في الحكمة البالغة، فكل شيء بقدر الله، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وليس شيء يحول دون أمره تعالى، يطمئن المؤمن الموحّد، أن أمر الله تعالى سابق، وأن مشيئته نافذه، {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (التوبة:51) .
{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} (الحديد:22) .
فالمؤمن يعلم أن هذا كله مكتوب عند الله تعالى، وأن لله الحكمة البالغة، وأنه عز وجل يأتي بالآيات تخويفاً لعباده : {فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ}(الأنعام: من الآية42).
ويوقن الذي ينظر لهذه الأحداث، بأن كل شيء مسخر بأمر الله عز وجل، فإذا قال لها : أمطري أمطرت، وإذا قال لها سيلي سالت، فالتقى الماء على أمرٍ قد قدر، والضر والنفع بيده سبحانه وتعالى، وجنوده كثر، فهذه سيوله، وتلك زلازله، هذه براكينه وهذه مما يأمر به عز وجل كن فيكون، والناس ينظرون إلى الظاهر فيصابون بالدهشة وهم يرون هذا السيل العرمرم بدواماته الرهيبة وربما يغيب عنهم ما كان وراء ذلك من الحكم،
السيل يقطع ما يلقاه من شجر
بين الجبال ومنه الأرض تنفطر
حتى يوافي عباب البحر تنظره
قد اضمحل فلا يبقى له أثر
.
وهكذا تدفق الماء من كل مكان، لا جدران تصده، يدمر ما أتى عليه من أخضر ويابس، ويبتلع ما يبتلع، يقول أحدهم : عددت الجثث التي تطفو حولي فوجدتها ثمانٍ وثلاثين، {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً}(النساء: من الآية28).
ضعف إمكانيات البشر أمام قوة الله
ما حدث يدل دلالةً قاطعة على افتقاره الذاتي إلى الله، وأنه لا حول له ولا قوة إلا به، ومن رأى ضعف الناس أثناء الكارثة وبعدها، أمام هذا السيل الداهم ومخلفاته، علم قبح الغرور والتكبر، فلا بد أن يعرف الإنسان حقيقته، ومقداره وأنه ضعيف وأنه مفتقر إلى الله، فينطرح بين يديه طالباً معونته، طالباً تسديده، راغباً في توفيقه، لا يستكبر عن عبادته ولا يتولى عن امره، لأن الله قوي عزيز، وأما الإنسان فإنه ضعيف، لقد رأينا بأم أعيننا، كيف أن الإنسان تكون منيته، في مكانٍ لا يتخيله، ولم يكن يدور بخلده أصلاً أن يموت في هذا المكان، أناس قدموا إلى جدة من مدن ودول أخرى قبل الكارثة بأيامٍ أو وقت يسير ليكون موعدهم مع الموت في هذا السيل، وليكون مدفنهم في وحله، {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}(لقمان: من الآية34).
وآخرون خرجوا من بيوتهم بأسباب متعددة فأنجاهم الله عز وجل، وبعضهم أصر إصراراً غريباً تلك الليلة أن يبيت في مكان آخر فنجى، ولما خاف الناس في الحج من انفلونزا الخنازير، خرج بعضهم إلى الحج فكان خروجهم إلى الحج سبباً في نجاتهم، إن المصاب عظيم يا عباد الهب، فهذه العائلات التي فقدت بأكملها، وهذه الجثث التي وجدت عالقةً بالأعمدة والأشجار، وآخرى لا تزال تستخرج من الحفر والمستنقعات، ومن تحت الركام وحطام السيارات، هذا أبٌ يحضن طفله وهما ميتان، ورجل يسير مع أربع نسوة فيأتي السيل ليخطف الأولى أمام عينيه والثانية والثالث والرابعة وهو لا يملك لهن شيئا، ثم يخطفه السيل هو ويجتاحه أيضا، وهذا يبحث عن جثة أمه ليجدها على بعد مسافةٍ طويلة حبسها عمود، وزوج مكلوم يبحث طول الوقت عن زوجته المفقودة، هؤلاء أقارب عند الحفرة ينتظرون، لعله يستخرج جثث أقاربهم منها على بعد كيلو مترات طويلة كانت فرق الإنقاذ تستخرج الجثث، هذه امرأة علا نحيبها تقول: رأيت جارتي وأطفالها الخمسة يموتون أمام عيني، ورب أسرة يقول : أنا وأولادي نطوف نبحث عن أمهم، تضرر الناس تضرراً بالغاً..
فجائع الدنيا أنواعٌ منوعةٌ
وللزمان مسراتٌ وأحزانُ
وَهَذِهِ الدَّارُ لا تبقِي على أحدٍ
ولا يدُومُ عَلَى حَالٍ لَهَا شانُ
وهكذا يعلم الإنسان حقيقة الدنيا، وأنها زائلة وأن الباقي هو الآخرة، ما الذي يثبّت الناس في هذه المحنة، إيمانهم بالله، ما الذي يعوضهم من هذا النقص الخطير الذي أصابهم، إيمانهم بقضاء الله وقدره، ما الذي يثبّتهم الرضا بالقضاء، ما الذي يكون في نفوسهم إذا أرادوا العوض الحقيقي انتظار ما عند الله في الدار الآخرة، وعندما يعلم الإنسان أن كل ما حدث مكتوب، قال الله : {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} (الحديد: من الآية23).
فلا عجب أن تجد عدد من المسلمين ولله الحمد نفوسهم طيبة رغم البلاء الذي أصابهم، ويتفكر الإنسان في هذا الماء، بعضه رحمة وبعضه عذاب، الماء ألين شيء وأخطر شيء، الماء منه كل شيءٍ حي، وكذلك هو سبب للموت والقتل والغرق.
يثبت الله به المؤمنين كما ثبت الصحابة {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ}(الأنفال: من الآية11).
ويبعثه على آخرين ليكون عذاباً {وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً} (الفرقان:37) .
كل شيءٍٍ نزل من السماء، وكل سيلٍ يدوّي على الأرض بأمر الهأ تعالى، {إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} (الحاقة:11).
امتن الله على من بقي من البشرية، كل شيءٍ ينزل من هذه الأمطار، فعند الله خزائنه، ولذلك لما اغرق قوم نوح قال : {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ*وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} (القمر:11-12) .
أغرق الله به فرعون.
ويكون رحمةً من الله للموحدين، فيكون الغريق شهيد، وهذا من مزايا هذه الأمة .
يا عباد الله لقد كانت تذكرةً عظيمة، أن يأتي الموت بغتةً، في غمرة التجهز للعيد وفرحته، وبينما الناس منهمكين بالاستعدادات والأضاحي والملابس، يدهمهم ومن غير سابق إنذار، سيل يحصد الأرواح، يذكر بيوم الدين، {بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ}(الانبياء:40) .
ما أصعب لحظات الوداع، خصوصاً حينما يرى المرء الموت وهو يحاصره، شاب منطلق بسيارته، وفجأهً تدهمه السيول، فيوقن أنه غارق لا محاله، فيصعد على سطح السيارة ويتصل بأهله وأقاربه ليودعهم، ثم يتصل بأصدقائه ومعارفه ليتحلل منهم ويطلب السماح ثم ينقطع الاتصال فجأةً، ماذا يكون حال ذلك الزوج وهو في العمل، تتصل به زوجته تستغيث بأن منسوب الماء يرتفع في الحجرة، إلى القدمين إلى الركبتين، لقد وصل إلى السرير ثم إلى الصدر، ثم إلى العنق ثم ينقطع الارسال وهو على الجانب الآخر من الخط يرقب في دهشةٍ، ماذا يفعل وهو في حيرة، تلك الزوجة التي ذهبت إلى الله عز وجل.
عباد الله لكل أجلٍ كتاب، رجل ودع زوجته وأطفاله وذهب إلى عمله ليعود بعد ساعتين ليجد كل شيءٍ أثراً بعد عين، أصبح وحيداً بلا زوجة، بلا أولاد، جرفتهم السيول الداهمة، وتعلمنا أنه لا يغني حذر من قدر، فالموت يدرك البشر لا محالة، أين تهربون وأين تذهبون، مهما هرب الإنسان فإن له من الله طالبا، {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (الجمعة: .
أصرت قبلها بليلةٍ على البقاء عند عمها تلك الفتاة في زيارةٍ عائلية لكن لتبقى بعد ذلك نظرات الحزن ساهمةٍ وهي تفكر في أسرتها التي ماتت كلها.
تذهب بعض أذهان الناس في مثل هذه الأحوال العصيبة مذاهب عجيبة، غريبة في طرائق التفكير واتخاذ القرار، وهذا محل دراسةٍ وتأمل للإنسان الحصيف، رب أسرةٍ يربط أفراد أسرته بحبلٍ واحد، ويقول : أما أن ننجوا جميعاً أو نهلك جميعاً.
عباد الله، الشهادة فضل من الله يؤتيه من يشاء، يختار الله من عباده من يختار، ولا سبيل لنيل هذه الدرجة إلا بهذه الأسباب المفضية إليها، وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم : ((وَالْغَرِيقُ شَهِيدٌ )) وفي لفظٍ : ((وَمَنْ غَرِقَ فَهُوَ شَهِيدٌ) ) رواه مسلم (2829) .
وهذا عوض عظيم وتسلية، وهذا مما يعين على مواجهة الأحزان.
عباد لله، إذا وقع القدر عمي البصر، ومع أن لهذه الكوارث الكونية أسباب طبيعية، وأحياناً يكون بمقدور البشر التنبأ بها قبل وقوعها، إلا أن هذه الكارثة قد اثبتت قصور البشر سواءً في التحليل وتوقع الأزمات، أو في الاستعدادات والاحتياطات، كشفت عيوباً وإهمالات، أو في التصدي لها ومحاولات النجاة، إنا لله وإنا إليه راجعون، بهذه الكلمات يقابل المؤمن المصائب والكوارث، أبلغ العلاج وأنفعه للعبد في عاجله وآجله أن يسلّم ويستسلم، ماذا ستفعل ؟ هل تستطيع أن تعيد أرواحاً قد قبضت ؟ هل تستطيع أن تستعيد أجساداً قد بليت ؟، ولذلك إذا استعاد المعير متاعه من المستعير فلا لوم عليه ولا اعتراض، والله تعالى يملك الاجساد والأرواح، ويملك النفوس وهو خالقها، فإذا شاء أبقاها وإذا شاء أخذها، ولا اعتراض على حكمه سبحانه.
ومن أعظم العزاء أن يقال لمن أصيب المصيبة : ثواب الله على صبرك، خير من بقاءهم عندك، وما أعد الله لهم من رحمه خيراً لهم مما عندك، وهكذا تثبت قلوب المؤمنين، { لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ }(هود: من الآية43).
إذا كان الماء في هذه الكارثة لم يتعدى ثلاثة أمتار أو أربعة في كثيرٍ من الأماكن التي طرقها، ليغرق دور كامل من الأدوار، فمن في القبو و الدور الأرضي، من بقي غرق، ومن صعد إلى الدور الثاني أو إلى السطح ربما ينجو، لكن نتذكر يوم أن اغرق الله الأرض بكفر قوم نوح علا الماء رؤوس الجبال، فقال الولد المغرور : {سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ}(هود: من الآية43) . ولكن {لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ}(هود: من الآية43).
مئات السيارات التي كان يجرفها السيل تتقلب فيه كقطع الفلين وركابها يرفعون أيديهم ويصيحون ويطلبون الغوث والنجدة، ولكن كل مشغول بنفسه، فلم يستطيع ناس أن ينقذوا أحداً لأنهم مشغولون بأنفسهم، تتذكر يوم الدين نفسي نفسي، { لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}(غافر: من الآية16).
فوائد من المصيبة
إحياء العبودية في نفوسنا، ونعرف لماذا كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا رأى غيماً في السماء قلق ، قالوا : هذا مطر قال : ((وما يؤمنني أن يكون فيه عذاب)) .
{وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً}(الاسراء: من الآية59).
الذي بقي عليه أن يستفيد من الحدث، ليشكر ربه، إذا كان أناس قد ذهب أهلهم فعندك أهلك، وإذا كان آخرون قد ذهب أولادهم فعندك أولادك، وإذا كان آخرون قد ذهبت مساكنهم فعندك بيتك، وإذا كان آخرون قد ذهبت أموالهم فعندك مالك يا عبد الله اشكر النعمة.
المؤمن يتألم لألم اخوانه وهذا من علاقة الإيمان والأخوة بين المسلمين، ينبغي لمن نظر إلى هذه المشاهد على أرض الواقع ومن جال في تلك الأحياء المنكوبة، ومن نظر إلى الصور في الشاشات ومقاطع الفيديو، أن يتحرك قلبه تجاه المصابين والمنكوبين، وأن تدمع عينه ويلهج لسانه بالدعوة بالرحمة لمن مات، والتثبيت والعوض لمن ابتلي، ويسعى لإعانة من يحتاج، ويسأل الله لأخوانه السلامة والعافية، إنه ابتلاء للمؤمنين، اتخذ الله منهم شهداء بالغرق، وكفر الله سيئات بالمصائب، ورفع الله درجات بالكارثة، وزاد الله حسنات بما أخذ، إذا صبروا.
وكانت عقوبةً لأهل المعاصي من الجهات الأخرى، وإنذاراً من الله، وكانت تمحيصاً أيضاً للناظرين والمتكلمين، من الذي يعترض ومن الذي يسلّم، من الذي يفسر الأمور بغير ما جاءت به الشرع، فينسبها للطبيعة، من الذي خلق الطبيعة؟! .
الابتلاءات سنة ربانية، {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}(الانبياء: من الآية35).
المؤمن ينظر إلى القضية من زاوية : {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}(البقرة:155) .
المؤمن ينظر إلى القضية من زاوية : {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} (البقرة:214).
لا ينزل بلاء إلا بذنب ولا يكشف إلا بتوبة، قال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله: " وإن من علامات قسوة القلوب وطمسها والعياذ بالله، أن يسمع الناس قوارع الأحداث، وزواجر العبر والعظات التي تخشع لها الجبال لو عقلت، ثم يستمرون على طغيانهم ومعاصيهم مغترين بإمهال الله لهم، عاكفين على اتباع شهواتهم، غير عابئين بوعيد، ولا منصاعين لتهديد". فتاوى ابن باز (9/160).
{قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ}(الأنعام: من الآية65).
وجاء الماء من أعلى وجاء الماء من أسفل و ارتفع المنسوب.
عباد الله نسأل الله حسن الخاتمة، ناس قبضت أرواحهم في المساجد بالسيل جاء وقت صلاة الظهر، ناس قبضت ارواحهم وهم ذاهبون إلى المسجد عليهم رحمة الله، ناس قبضت ارواحهم وهم صائمون في العشر الأوائل من ذي الحجة يتقربون إلى الله بالأعمال الصالحة، الموت على عبادة وبعد أداء فريضة نعمة عظيمة، ناس قبضت أرواحهم وهم ينقذون الأرواح المعصومة من الهلكة، الناس معادن، الأحداث كشفت عن المعادن، كمعادن الذهب والفضة، هذا معدن نفيس هذا معدن خسيس، وهكذا يتفاوت الناس بالشرف وكرم النفس.
نسأل الله عز وجل أن يحيا قلوبنا بطاعته، وأن يثبتها بذكره، وأن يجعلها عامرةً بالرضا بالقضاء، والتسليم لأمره، اللهم اجعلنا لشرعك منقادين، وبسنة نبينا عاملين، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
خطبة الثانية :
الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك وحبيبك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المواقف تبين معادن الرجال
عباد الله، الناس ما داموا في عافية مستورون، فإذا نزل بهم البلاء انكشفت الحقائق، ظهر في هذه الكارثة المؤمنون الذين يهبون لنجدة إخوانهم ومساعدتهم يمتثلون قول النبي عليه الصلاة والسلام : ((مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى))..
ظهرت قصص الشجاعة والبطولة والتضحية، أولئك الشباب الصالحين الذين هبوا من عامة الناس ومن غيرهم ينقذون، يمدون يد العون، يخرجون، شاب لم يكن يعرف السباحة لكن لما رأى رجل يغرق وزوجته وطفله لم يتوانى عن النزول، وقفز إلى الوادي وانقذ الطفل ثم المرأة ثم الرجل، وهؤلاء الذين شكلوا فرقاً للإنقاذ، يزيلون ويخرجون الناس العالقين من السيارات، ظهر أثر الشهامة وأهل النجدة والمروءة بجلاء، يقول أحدهم : تلقيت اتصالاً أن والدي وبعض المسنين أربعون شخصاً في المسجد غمرته المياه، فتوجهنا سباحةً إلى المسجد ومعنا عشرة من أهل الحي، وأنقذنا المسنين، واستجمع عشرات المتطوعين كل قواتهم ليلاً ونهاراً، لإسهام في واجب البحث عن المفقودين، ومساعدة رجل الدفاع المدني بلا كلل ولا تعب، وسط الحطام والمياة الراكدة، وهب الكرماء وأصحاب العطاء لاستقبال اخوانهم المنكوبين ففتحوا بيوتهم وبسطوا موائدهم وقدموا معوناتهم، هذا كله قد حدث والحمد لله، والله اثنى على الأنصار لأنهم آووا ونصروا، وقد وجِد والحمد لله من الأقارب والأباعد من فتح بيته وما زاد عن عقاره، لأن المؤمنين إخوة، والمواساة واجبة، والبذل الآن إذا لم يكن فمتى يكون، وأنت ترى المحتاجين من بين يديك ومن خلفك، آوى النبي عليه الصلاة والسلام وآخى بين المهاجرين والأنصار، من أحق الناس بالإحسان ؟ الآن وقت الإيواء والاستضافة، وقت البذل، من كان معه فضل ظهرٍ فليعد به على من لا ظهر له، هذا أوان الصدقة والجود والإحسان، بل حتى الزكاة يجوز تعجيلها من أجل هذه الكارثة، الآن هو وقت الإعطاء، الآن هو وقت الكرم، مصارع السوء من الذي يقي منها، الصدقات، تفريج الكربات، يثبت الله أقدام أناس يوم القيامة وينفس عنهم كربات يوم الدين بما بذلوا، {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} ( سورة الإنسان ، لماذا ؟ لوجه الله، {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ } (11) سورة الإنسان .
وهكذا فإن المواساة شأن المؤمنين..
هبوا نواسيهم بالمال ننعشهم يا أنعش الله أرباب المواساة
من يسّر ونفّس وفرّج من أعطى وبذل، يمرّض يسعف، ينقل، هب بعض الناس بسياراتهم ينقلون جثث إلى المستشفى الأول يقولون ما عندنا كهرباء نضعها في أي ثلاجات، إلى المستشفى الثاني ، أطباء بعيادات، ناس تستخرج الجثث لأن حق المسلم على المسلم أن يكفنه بعدما يغسله، ويصلي عليه ثم يدفنه، هذا واجب .
يا عباد الله، وفي المقابل توجد صور استغلال البشع، الذين استغلوا الحدث ورأوه فرصة لتكسب السريع، وتلك النفوس المريضة التي قامت بالسرقات والاستيلاء على الممتلكات واستغلال الوضع للنهب، بل حتى لم تتوانى عن سرقة أموال الموتى داخل سياراتهم، وسرقة بيوت المصابين وهم لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم .
ليس هذا وقت رفع أسعار السلع والخدمات، ليس هذا آوان أن ترفع مغاسل السيارات أسعارها وسيارات الشفط وسيارات السحب والشقق المفروشة وشركات النظافة، بل هذا آوان التقديم بالمجان لو استطعت، أو بأجرة المثل على الأقل، أما أن يقال لمن يستغيث بك من الموت: لا أنقذك إلا بخمس مئة ليسحبه أمتاراً فهذا عجب العجاب، أنه ليؤلم والله أن تجد بعض الناس مشغولين بتصوير المنكوبين بكاميرات الجوال وأولئك يستغيثون وهؤلاء يصورون منظراً كأنه يصور الشمس حين الغروب،طفلة تبكي بأعلى صوتها وتنادى أمها وأباها وأمواج السيل تلاطمها يمنى ويسرة وهي تحاول الإمساك بجثة تمر بجانبها أو تتشبث بأي أمل، هل يجوز أن يقف هنالك من لا يحرك ساكناً حتى يختفي صوت الطفلة ويتوارى،
يارب أم وطفل حيل بينهما
كما تفرق أرواح وأبدان
الإهمال والفساد الإداري
عباد الله، نحن نعلم يقيناً أن ما حدث بقدرٍ من الله ولكن ذلك لا ينفي وجود الإهمال البشري، لا ينفي إهمال بعض البشر وتفريط البعض والجشع والإساءة، وتحصيل مخططات في أماكن لا يصح في علم تخطيط المدن أن يكون فيها مخططات، مجاري سيل، هل نحن نسيء الظن بالله ونقول : لا تمطر في هذه البلد، هذه البلد ما فيها مطر، اسأل كبار السن عن السيول التي أصابت هذه الأمكنة، لكن احياناً شباب مغتر يقول : ما فيه مطر ولا ينزل مطر، فها هو قد جاء، فماذا ستفعل.
استخدام الرشاوى والمحسوبيات والمعارف في انتهاك حقوق الناس وسوء التخطيط والتأخر في إنجاز مشاريع تصريف المياه والغش في البناء والمساكن وعدم تأمينها وتحصينها، هذا إهمال بشري، والتسليم للقضاء والقدر لا يعني السكوت عن هذه الأشياء وترك معاقبة المسيئين، لأن ذلك سيتكرر لو صار السكوت.
عباد الله، ينزل الله المعونة على قدر المؤونة، لما حاصر السيل منزل احدهم شمر عن ثوبه، يقول دخلت البيت وحملت اثنين من أولادي على ظهري وإلى السطح ثم نزلت لحمل اثنين آخرين وإلى السطح وهكذا كأن بداخلي رجل قوي لا أعرف كيف فعلت هذا .
وخيارات صعبة، الأم أو الزوجة، الولد الأصغر أو الأكبر، بهذا القريب تبدأ أو بهذا، وهنالك قد يفقد الإنسان أدنى معلومة فقهية توجد عنده، وهناك ثوابت في الشرع، الخيار الصعب عندما تخيّر في الحادث والظرف الموجود أن تنقذ هذا أو هذا، والظرف لا يتسع لإنقاذهما جميعاً.
في المحن والكوارث تمحيص، تنبيه من الغفلة، في المحن والكوارث هذه يا عباد الله فيها خير، على الشر العظيم الذي فيها لكن فيها خير كثير، قال الحسن البصري رحمه الله : "لا تكرهوا البلايا الواقعة ، والنقمات الحادثة ، فَلَرُبَّ أمرٍ تكرهه فيه نجاتك ، ولَرُبَّ أمرٍ تؤثره فيه عطبك ".
إن في العلل لنعَماً لا ينبغي للعاقل أن يجهلها ، في تمحيص الذنوب، وثواب الصبر، والاستيقاظ من الغفلة، والتداعي للتوبة، وأجر الصدقة، والتسبب في الإنقاذ، تخيل نفسك داخل الحدث، ماذا كنت ستفعل يا عبد الله، احتساب الأجر في إنقاذ الناس، الأجر العظيم، قال الله في أجر من ينقذ معصوماً من هلكه : { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً }(المائدة: من الآية32).
كأنما أحيا الناس جميعاً هذا أجره، ولذلك تكبر وأنت ترى حتى بعض الأعاجم، ذلك الرجل الباكستاني الذي أنقذ أربعة عشر نفساً، واحدٍ تلو الآخر، حتى أصيب بعمودٍ في ساقه فأدركه الغرق فمات رحمه الله تعالى بعدما انقذ هذا العدد من الناس، ((إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَلَهُ)).
قِيلَ : وَمَا عَسَلُهُ ؟
قَالَ : ((يَفْتَحُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ عَمَلًا صَالِحًا قَبْلَ مَوْتِهِ ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ)) أحمد (17330) صححه الألباني.
بعض العمال الذين كانوا مصدراً للسخرية والتندر، كانوا سبباً في الإنقاذ، كما أن بعضهم في المقابل كانوا ينهبون الممتلكات، ويأخذون أموال الناس، وهذا حرام حرام حرام، تباع ثلاجة بثلاثين ريال ؟! هذه أمانة، ممتلكات الناس، لذلك هذه الكارثة كشفت المعادن، معادن الناس، من هم أهل النجدة والمروءة والكرم والعطاء، الذين يمدون يد العون ولهم الصلاح في المجتمع، ومن الذين بالعكس .
الكارثة كشفت قلة أمانة مقاولين، وضعف خبرة مهندسين، ورخص مزيفة للسلامة، وعورات الأنظمة البشرية وضعف الإمكانات المادية، وأن قوة البشر مهما بلغت لا تقف أمام قوة الله عز وجل، ولذلك لا بد الآن في غمرة الحدث من العمل الدؤوب، أصحاب الخبرة يقدمون ما لديهم، اصحاب التخصصات العلمية، أصحاب التجارب الناجحة، طلبة العلم الخطباء العلماء طلبة العلم نشر الأحكام الشرعية المتعلقة بالكوارث، أحكام اللقطة أحكام المفقود أحكام الغريق، أحكام الضمان أحكام الإجارة، الاستفتاءات الآن في النوازل أشياء ستأتي تباعاً، يجب إنقاذ المسلم المعصوم وجوباً، ثم بعد ذلك تحل أشياء لا تحل في غير هذا الوقت، كإمساك المرأة الأجنبية، والغريق إذا أخرج يغسل إن أمكن تغسيله ويكفن ويصلي عليه كأي ميت، والمفقود له أحكام في الشريعة، إذا انقطع خبره ولم تعلم حياته فيتربص الوقت الذي يغلب على الظن أنه فيه قد هلك، ثم بعد ذلك تعتد الزوجة ويقسم الميراث، وتكون هنالك أحكام كل مفقودات سيل لها حكم اللقطة، التي لها قيمة وثمن لا بد من تعريفها ولا يجوز تملكها ولا أخذها، ولو سحبها السيل وأخذها عشرين كيلو متراً، لا بد أن تجعل هناك مستودعات لحفظ أمانات الناس حتى يرجعوا إليها، فمن أتى ببينة على شيءٍ أخذه، وهكذا حكم اللقطة حكم المفقودات، طين الشوارع الأصل فيه الطهارة ما لم تتبين نجاسة بعلامة من العلامات، الوحل سبب للجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، يؤلمك في حي من الأحياء أن كل المساجد فيه مقفلة، الآن وقت التنفيس أصحاب المعاناة، ربما لو جئتهم يقولون لك : هل أنت كغيرك ممن يريد أن يتصور معنا ، هل تحس بما نحن فيه ؟ هل تحسون بآلامنا ومعاناتنا، وهكذا لا يجوز الكذب لأخذ التعويضات إذا لم يكن قد حصل له ذلك فعلاً، ما هي المهام والواجبات، الإعانة في البحث عن مفقودين واجب شرعي، استخراج الجثث لتغسيلها وتكفينها والصلاة عليه ودفنها، إطعام المحتاجين، المواساة والتعزية والتصبير، حماية الممتلكات الحراسة مجاناً، ورجال الأمن قد ضربوا أطواقاً لأجل هذه القضية وهي حماية ما بقي من ممتلكات الناس، هذا شيء واجب، نقل المصابين، كسوة المحتاجين، تهنئة الناجين، تعريف الملتقطات، معالجة القلق تسكين الفزع الدعوة للتوبة والإستغفار، الأذكار والأدعية كدعاء المصيبة، دعاء الاستصحاء ما هو ؟ إذا زاد المطر حتى أضر يقول الناس : " اللهم حوالينا ولا علينا".
من الواجبات الشرعية رعاية الأولاد الذين فقدوا أهاليهم، تسليم الاثباتات والأوراق الرسمية للجهات المختصة ليأتي أصحابها ليأخذوها صكوك أراضي، إثباتات مهمة جداً.
تقديم الأهم : فالعيال قبل المال مثلاً، حقوق الجيران اتخاذ الاحتياطات، تعلم الإسعافات الأولية، وهكذا أهل الحي ومراكز الأحياء تتعاون، الآن وقت تربية الشباب على التقديم، غرس معاني الإعانة والإغاثة، الاستفادة من الحدث للتخطيط المستقبلي، قضية المعالجة لهذه الأوبئة التي ستظهر، قدم محسنون شققاً مجانية، وسيارات دفع رباعي لانتشال الناس من الوحل، وأطعمة وذبائح، لأن هناك ناس فقدوا كل شيء، واحد يقول : كل مالي في الحياة 365 رأس غنم في سابع ذي الحجة، أردت أن أذهب بها إلى الحرم إلى منى لأجل البيع والاستفادة من الأضاحي أتى السيل ما تركها، ليس لي شاة واحدة اليوم، ثم هذه الأضاحي منتفخة موجودة في الحي ورائحتها تزكم الأنوف، تجار قدموا ملابس وأدوية يشكرون عليها، شخص سخّر نفسه لجمع المصاحف والكتب الشرعية من أنقاض المساجد والبيوت صيانة لكلام الله تعالى، المجتمع كله اليوم أيها الأخوة عليه دور، أصحاب المعدات الرافعات آلات السحب المهندسون المقاولون التفاعل الالكتروني، كلنا يجب أن نعمل.
نسأل الله عز وجل أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين، اللهم إنا نسألك الأمن والإيمان، وطاعتك يا رحمان، اللهم اغفر لموتى المسلمين، اللهم ارحمهم اللهم عافهم واعف عنهم، اللهم تقبلهم شهداء عندك يا أرحم الراحمين، ارفع درجاتهم وأعل منزلتهم واجعلهم في عليين، اللهم اجبر مصاب المكلومين واشفي المرضى والجرحى والمصابين، اللهم سكن فزع الخائفين،اللهم عوض من ذهب له مال أو تلف له شيء يا رب العالمين، اللهم العوض العوض من عندك يا كريم يا أكرم الأكرمين، احفظنا واحفظ بلادنا يا أرحم الراحمين، أنت خير حافظاً وانت أرحم الراحمين، لا تهلكنا بعذابك، نجنا برحمتك، اللهم ازرقنا الجنة واعذنا من النار، واغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب، آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين .
الثلاثاء يونيو 17, 2014 12:36 am من طرف كناري
» تأجير سيارات بأسعار لا تقبل المنافسه
الثلاثاء مايو 27, 2014 12:03 am من طرف فدوشة
» ايجار سيارات وليموزين ورحلات سياحية
السبت فبراير 09, 2013 3:35 am من طرف تورست كار
» مطلوب للتعيين فى 25 دقيقة
الأربعاء يناير 16, 2013 3:32 am من طرف تورست كار
» 2windesign company
الثلاثاء يوليو 17, 2012 12:42 am من طرف 2windesign
» تأجير سيارات بأسعار لا تقبل المنافسه & تورست كار &
الإثنين مايو 28, 2012 11:37 am من طرف تورست كار
» تأجير سيارات بأسعار لا تقبل المنافسه & تورست كار &
الأربعاء أبريل 11, 2012 9:06 am من طرف تورست كار
» أحدث أنواع السيارات والليموزين والخدمات السياحية
الأربعاء أبريل 11, 2012 9:05 am من طرف تورست كار
» إيجار سيارات وليموزين وخدمات سياحية
الأربعاء أبريل 11, 2012 9:00 am من طرف تورست كار